19 - 06 - 2024

مؤشرات | تخفيف أحمال الكهرباء والوجه المسكوت عنه

مؤشرات | تخفيف أحمال الكهرباء والوجه المسكوت عنه

تمثل قضية تخفيف الأحمال للتيار الكهربائي واحدة من أهم القضايا التي تؤرق المصريين ليل نهار منذ الصيف الماضي، حيث تدخل عامها الثاني، رغم تصريحات رسمية سابقة بأنها مؤقتة.

إلا أن الأزماات الإقتصادية التي تواجه الدولة، مع بروز أزمة السيولة الدولارية، وبالرغم من حلها جزئيًا، فقد عادت قضية تخفيف الأحمال للتيار الكهربائي من جديد، بعد (هدنة) استمرت شهرًا، خلال رمضان المنصرم، لتصبح حديث الناس، وسخرية السوشيال ميديا.

والمؤكد، ووفق تصريحات رسمية، فقد رهنت الحكومة توافر الكهرباء بخططها المستقبلية لزيادة السيولة الدولارية، وهو ما يعنى أن خطط تخفيف الأحمال قد لا تتوقف إلا بتوفير عملة صعبة بشكل يغطي الاحتياجات الأساسية ومن ثم التوجه إلى استيراد مزيد من الغاز الطبيعي والمازوت لسد احتياجات شهور الذروة في الصيف.

ولكن هناك وجه آخر لأزمة الكهرباء، وإن كان غرييًا، وهو ما كشف عنه تقرير تحليلي، لوحدة عدسة بمركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ويتعلق بأن أي مبرر لربط أزمة توفير الكهرباء بوجود دعم حكومي، مع غياب أي تأثير لإلغاء الدعم في عجز الموازنة.

والقول بوجود دعم هو قول غير مقبول، خصوصًا، أن أرقام ميزانيات الدولة من العام المالي 2019 – 2020، تخلو من أي دعم للكهرباء، حيث تم تصفير الدعم في هذا العام، وما تلاه ، حيث يتحمل المواطن التكلفة الكاملة لإستهلاك الكهرباء وبالأسعار العالمية.

وكانت الحكومة قد بدأت في تبني برنامج خفض تدريجي لدعم الكهرباء منذ 2014 انتهي في 2019/2018 - وهو تاريخ تصفير الدعم رغم دعاوى تأجيله للتخفيف عن المواطنين خلال أزمة كوفيد-1، فيما ترى الحكومة وعلى لسان وزير وزير الكهرباء والطاقة استمرار الدعم التبادلي بين المواطنين الذين يستخدمون الطاقة بكثافة والأقل استهلاكًا وبذلك يستمر دعم محدودي الدخل.

إلا أن القراءة الموضوعية لتصريحات المسؤولين تشير إلى نوع من التخبط بشأن أسعار الكهرباء، وهو ما تؤكده تصريحات أعلنها رئيس مجلس الوزراء في يناير 2024، موضحًا، أن الزيادات الأخيرة في أسعار الكهرباء تأتي لتقليل الدعم الحكومي وخفض عجز الموازنة، في حين أن بند دعمها لا يظهر في البيانات المالية المتتالية منذ 2020/2019، ولا في بنود الدعم والمزايا الاجتماعية بالموازنة.

ما رصدته التقارير، وآخرها (عدسة) لا تتحمل وزارة الكهرباء الآن أية مصروفات خاصة بالكهرباء بعد إلغاء الدعم، ومع تدخل القطاع الخاص بعد إدخال نظام الشرائح ذات الدعم التبادلي واستخدمت الحكومة هذه الأموال للاستثمار في البنى التحتية.

وصحيح أن خطة ترشيد الاستهلاك الكهربائي جاءت بعد مرور سنوات من تحسين حالة المحطات الكهربائية وبناء محطات جديدة لاستيعاب الطلب المحلي، وتتضمن خطة الحكومة لتوفير موارد دولارية عن طريق ترشيد الكهرباء وكحل مساهم في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية المستمرة : (رفع أسعار الكهرباء لتعويض الفارق بين سعر توريد الغاز لمحطات الكهرباء وتصديره وما يسمي بالفرصة البديلة، مع تفادي استيراد كميات إضافية من المازوت والغاز خلال مواسم الذروة لتلبية جزء من واردات الغذاء والدواء).

ومن الملاحظات المهمة أن إلغاء دعم الكهرباء لم يساعد الحكومة كثيرًا في استدامة انخفاض عجز الموازنة، فقد ارتفع في الربع الأول من 2024/2023 إلى 3.8% للناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ2.5٪ خلال الفترة نفسها العام السابق بسبب فوائد الديون.

ومع وجود أزمة كهرباء محلية، يمثل تناقضا مع ما تخطط  له الحكومة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة إلى أوروبا من خلال مشاريع ربط كهربائي، واستيراد الغاز ثم تسييله وبيعه، ورغم تأكيد الحكومة أنها تتوقف عن تصدير الغاز خلال أشهر الذروة، حققت الصادرات حوالي 2.86 مليار دولار في صيف الأعوام السابقة ووصلت معدلات مرتفعة خلال سنة 2023 مقارنة بـ 2022.

وفي ذات السياق، فقد وقعت الحكومة من قبل مجموعة اتفاقيات الربط التبادلي للكهرباء ومذكرات تفاهم لتصدير الطاقة إلى أوروبا، ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل الرسمي لمشروع الربط الكهربائي مع السعودية عام 2026.

وفي السياسات الإقتصادية الإجتماعية، تأتي الأولوية لإحتياجات المواطن، طالما يحتاج لسلعة يدفع ثمنها، دون الإرتكان لأي مبرر آخر، ويجب رفع شعار "الكهرباء حق – مقابل ثمن تكلفة)، فلا فضل لأحد على من يدفع ثمن خدماته.. وحتما هناك حلول لذلك، إذا ما تم الإقتناع بأن هناك أفكار عملية مغايرة لما تراه الحكومة، بدلا من فرض سياسة الأمر الواقع.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | (رغيف العيش) .. أمن اجتماعي وغذائي





اعلان